تابعنا

قراءة أوّليّة في التداعيات الاقتصاديّة للحرب على النساء العربيّات في البلاد

كَتبت الورقةَ:

د. مها كركبي -صبّاح: محاضِرة كبيرة في جامعة بن ﭼـوريون في بئر السبع، ومديرة وَحدة الأبحاث في المنتدى الاقتصاديّ العربيّ

نادرة أبو دبَي -سعدي: عاملة اجتماعيّة، ومركّزة مشروع النساء العربيّات والعمل في جمعيّة “نساء ضدّ العنف”

أثبتت الدراسات في العلوم الاجتماعيّة أنّ آثار الحروب والأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة غير متكافئة على مختلف الفئات الاجتماعيّة، سواء أكان ذاك على أساس جندري عرقي أو طبقي، وهو ما يوسّع الفجوات القائمة بين هذه الفئات، وينسحب هذا الأمر بخاصّة على النساء من الأقلّيّات العِرقيّة. تَعْرض هذه الورقة تحليلات أوّليّة لآثار متوقَّعة للحرب على النساء العربيّات في إسرائيل من الناحيتين الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

في السابع من أكتوبر (2023)، استيقظنا على واقع جديد قديم في هذه البلاد، بسبب اندلاع جولة جديدة من الحرب على قِطاع غزّة، أدّت إلى إدخال غالبيّة المدن في البلاد من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها في حالة طوارئ. منذ ذلك الحين، أغلقت إسرائيل المؤسَّسات التعليميّة في عدة بلدات، وتقلّصت إمكانيّات الخروج من حدود الدولة أو الدخول إليها، وحصل تراجع في النشاط الاقتصاديّ، كما دعت الدولة سكّانها إلى التواجد على مقربة من حيّز آمِنٍ أو ملجأ. على هذا النحو تحوّلت العائلة النّواة إلى الداعم الرئيسيّ والموفِّر الأساسيّ للخدمات المختلفة. هذه الترتيبات الجديدة قد تؤدّي إلى تغيير في أنماط عمل النساء في سوق العمل.

ربّما ينسحب هذا الواقع على جميع النساء في البلاد، لكن إذا نظرنا إلى واقع المرأة العربيّة الفلسطينيّة في البلاد، نرى أنّ السياق المختلف أساسًا يزيد الواقع تعقيدًا؛ إذ إنّ نسبة النساء العربيّات العاملات متدنّية في الأساس، ولا تتعدّى 40%، وهي الأكثر تدنّيًا بين مختلف الفئات السكّانيّة في البلاد. فضلًا عن ذلك، نسبة العاملات العربيّات بوظائف جزئيّة هي الأعلى -مقارَنةً بالمجتمعات الأخرى-، بسبب قلّة الفرص وشُحّ الإمكانيّات في سوق العمل المحلّيّ، بالإضافة إلى التوقُّعات الاجتماعيّة من المرأة والأدوار التقليديّة التي تتولّاها -كالاهتمام بالأسْرة ورعاية الأطفال، على سبيل المثال-الأمر الذي يدفعها للعمل دائمًا من أجل الحفاظ على التوازن بين عالَمَيْن: عالَم العمل وعالَم الأسرة؛ وبالتالي تختار الكثيرات منهنّ دوامًا جزئيًّا.

على نحوِ ما تَكشَّفَ في أزمة انتشار ﭬـيروس الكورونا، تتأثّر أنماط عمل النساء في وقت الأزمات بسببين متداخلين: سبب إجتماعي-ثقافي، ثقافي-اجتماعي وبنيويّ. تتعلّق الأسباب الاجتماعيّة الثقافيّة بتعريف دَوْر المرأة الأساسيّ كمربّية لأطفالها، الأمر الذي قد يدفع النساء إلى الخروج من سوق العمل أو تقليص ساعات العمل بشكل “طوعيّ” مقارَنة بالرجال، عند إغلاق الـمَرافق الأساسيّة -كالمدارس والحضانات ومراكز الرعاية المختلفة، فتُضطرّ النساء إلى القيام بدَوْر هذه المؤسَّسات امتدادًا لدَوْرهنّ الاجتماعيّ بوصفهنّ مربّيات وراعيات لأفراد العائلة. تعريف دَوْر المرأة العاملة بأنّها معيل ثانويّ في المنزل يسهم في ذلك، وهو ما يسهّل إخراجها من العمل؛ ولا سيّما النساء اللواتي يعملن بوظائف جزئيّة. علاوة على ذلك، عدم المساواة في الأجر بين النساء والرجال يؤدّي في المعتاد إلى أن يترك صاحبُ الأجر الأقلّ عملَه، وفي هذه الحالة فإنّ المرأة هي التي تُضطرّ إلى ترك عملها.

بالإضافة إلى ذلك، يدفع السبب البنيويّ -أيْ مجالات عمل النساء وأنماط تشغيلهنّ-إلى خروج قسريّ من سوق العمل. تعمل النساء العربيّات -في الغالب-في ثلاثة قِطاعات مركزيّة: التدريس والتعليم؛ المهن العلاجيّة؛ الخدَمات. يتبيّن من المعلومات الأوّليّة حول التشغيل أنّ النساء في المهن التدريسيّة والعلاجيّة يحظين بأمان اقتصاديّ ووظيفيّ نسبيّ (كما حدث إبّان أزمة وباء الكورونا)، أمّا النساء الأخريات في المجالات الخدماتيّة والنساء المستقلّات، فيواجهن خطر ترك العمل (الفصل)، أو الخروج في إجازة غير مدفوعة الأجر، لأنّ هذه المجالات غير حيويّة في فترة الحرب، بالإضافة إلى أنّ النساء المستقلّات هنّ صاحبات مصالح تجاريّة صغيرة، وبالتالي لا تتوافر لديهنّ قدرة اقتصاديّة على الصمود أمام تراجع الاستهلاك العامّ في الدولة. بالمقارنة مع النساء العربيّات العاملات، النساء اليهوديّات يتوزّعن على مجالات تشغيل أوسع، وهو ما قد يقلّل من نسبة تضرُّرهنّ، وبالتالي خروجهنّ من سوق العمل.

تحمل حالة الطوارئ وحالة الحرب في طيّاتها تداعيات اقتصاديّة لعدّة أسباب، منها:

الإغلاقات ومحدوديّة التنقُّل: إغلاق العديد من المصالح التجاريّة، ولا سيّما المجمَّعات التجاريّة، أو تقليص وقت العمل، يؤدّي إلى تقليص ساعات العمل أو إيقاف عمل الكثير من النساء، ولا سيّما الشابّات وطالبات الجامعات. معنى هذا أنّه هنالك احتمال أن يقوم المشغِّلون بإخراج العاملين (العاملات في حالتنا هذه) أصحاب الوظائف الجزئيّة، وهو ما يتسبّب أيضًا في ترك /إخراج النساء من سوق العمل لفترة أطول ممّا للرجال.

الحرب على غزّة تزيد التوتُّراتِ وتتسبّب في إحداث قلق في مسألة الأمن الشخصيّ، وبخاصّة في أماكن عمل يهوديّة؛ إذ تخشى النساء من التعرُّض لاعتداءات على خلفيّة عنصريّة، وهو ما يؤثّر كذلك على مشاركتهنّ في القوّة العاملة، فيجري ترك العمل أو تقليل ساعات العمل بسبب القلق، وقد تُفصَل النساء العربيّات على أساس عنصريّ أيضًا. قد تكون لتبعات الحرب هذه وقع اكبر على النساء العربيات العاملات في منطقة الجنوب لكون المنطقة في حالة طوارئ شاملة ادت الى اغلاقات مستمرة للعديد من المرافق الحيوية والمراكز التجارية.

تدهور الاقتصاد عامّة: الحروب لها أثمان اقتصاديّة باهظة، ويمكن للحرب على غزّة أن تؤدّي إلى تدهور الوضع الاقتصاديّ في البلاد بشكل عامّ، الأمر الذي يزيد من صعوبة البحث عن فرص عمل مستدامة، وفي هذا تدفع الشرائحُ المستضعَفةُ (النساء العربيّات في حالتنا) الثمنَ الأكبر.

اقتراحات وتوصيات تسهم في الحل:

دعم النساء في سوق العمل خلال الأزمات والحروب يتطلّب جهودًا مركّزة ومتعدّدة المستويات من الحكومة، والمؤسَّسات، والمجتمع المدنيّ. تتعرّض العديد من النساء للملاحقة أو الطرد التعسُّفيّ من العمل بسبب مواقفهنّ من الحرب الدائرة أو مواقف أقاربهنّ، ولذا يجب -أوّلًا وقبل كلّ شيء-توفير المعلومات الأوّليّة الـمُهِمّة بشأن حقوقهنّ، وكذلك توفير المرافَقة والاستشارة، بما في ذلك المرافَقة القضائيّة والاستشاريّة في حالة تعرُّض حقوقهنّ للانتهاك.

تتعرّض المصالح التجاريّة التي تملكها نساء عربيّات للضرر الأكبر. لذا، من المهمّ مساعدتهنّ وإطْلاعهنّ قَدْر الإمكان على إمكانيّات الدعم والتمويل بكفالة الدولة التي قد يحتاجونها. على الدولة توفير الأجوبة للنساء والمشغِّلين، وللناس عمومًا، بشأن البدائل والتعويضات المستحَقّة لكلّ من أُجبِرت على الخروج في إجازة اضطراريّة، أو أُغلِقت مصلحتها بسبب تداعيات الحرب.

على المدى الأبعد، ولغرض بناء حصانة تشغيليّة، على الحكومة والمؤسَّسات الداعمة أن تقدّم الدعم والمساعَدة للنساء العربيّات من خلال توفير فرص عمل مستدامة وبرامج دعم اجتماعيّ ونفسيّ، كما يجب العمل على تعزيز المساواة، والحدّ من التأثيرات السلبيّة على واقع تشغيل النساء العربيّات من خلال ما سنَسوقه في ما يلي:

تعزيز التعليم والتدريب المهنيّ: توفير برامج تعليميّة وتدريب مهنيّ للنساء بغية تزويدهنّ بالمهارات اللازمة للانخراط في القوّة العاملة، الأمر الذي يزيد فرصهن في العثور على وظائف.

مساواة في الأجور: يجب التحرُّك نحو المساواة في الأجور بين الرجال والنساء، وعلى الحكومة وأرباب العمل اتّخاذ خطوات عمليّة كي تحصل النساء على أجور منصِفة مقارَنةً بالرجال.

رعاية الأسرة والطفل: يجب تقديم دعم لرعاية الأسْرة والأطفال، الأمر الذي يساعد النساء على تحقيق التوازن بين الحياة المهنيّة والشخصيّة، ويمكّنهنّ من الانخراط في سوق العمل.

دعم الريادة وريادة الأعمال: يجب تشجيع النساء على إطلاق مشاريعهنّ الخاصّة وعلى ريادة الأعمال، وتوفير إمكانيّة تقديم التمويل والدعم التقنيّ للمشاريع الصغيرة والمتوسّطة من قِبل الجهات الرسميّة.

ضمان وجود التمثيل النسائيّ في مواقع صنع القرارات: يجب تشجيع مشارَكة النساء الفعّالة في عمليّات اتّخاذ القرار على المستوى الحكوميّ والمجتمعيّ لضمان إدراج مصالحهنّ في قرارات التعويض، وضمان تمثيل أوضاعهنّ في المخطَّطات التي تَطرح الحلول.

علينا أن نتذكّر أنّ الأزمة صعبة وقاسية، لكن بإمكاننا أن نتجاوزها -ولو جزئيا-من خلال التخطيط والمراعاة والدعم المناسب، كي نخرج من هذه الأزمة بأقلّ الأضرار الممكنة. يمكن لتقديم الدعم للنساء خلال الأزمات أن يشكّل مفتاحًا للمحافَظة على استدامة الاقتصاد المتوازن نسبيًّا في هذه الظروف الصعبة.

شارك المقال: